Skip to main content
Lebanon
2 min read

بيروت الرابع من آب 2020 نص للشاعر اللبناني عقل العويط

عقل العويط شاعر وناقد وأستاذ جامعيّ وصحافيّ، يكتب في جريدة "النهار" اللبنانيّة. يدرّس الأدب العربيّ الحديث في جامعة القدّيس يوسف في بيروت، أصدر إلى الآن ثلاث عشرة مجموعة شعريّة، له قصائد مترجمة إلى عددٍ من اللغات الأجنبية، ومنشورة في أنطولوجيّات عالميّة.

Credits نص: عقل العويط August 27 2021

وبيوتُكِ أجسادٌ سابقةٌ، وأعمارٌ تَلَفَتْ. وأشلاءٌ ونظراتٌ وأجنّةٌ مجهّضةٌ. وجدرانٌ تنحني لالتقاطِ ما فاتَها من تأوّهات. وتأوّهاتٌ في عدمٍ تتصاعدُ، لالتقاط ما فاتَها من الهواء. وأفئدةٌ وشرايينُ وتطريزُ شبابيك، وحرائقُ مسعورةٌ، لإضاءةِ عيونِ الموتى، ولإرشاد التائهين. وبوصلةُ أصواتٍ، وهمهماتُ قرابينَ وغبارٍ، لافتداءِ ما لم يُسمَعْ من استغاثاتِ الشفاه. وتربيةُ بحيراتٍ وأتربةٍ، لأرواحٍ وحدائقَ مشلّعةٍ. وروضاتُ أطفالٍ لإعادةِ ترميمِ دموعٍ وظلالِ قناديل. وأبواقٌ وصداحاتٌ، وموسيقى ركام، وأوركسترا، ومواءُ هررةٍ، ورائحةُ بكاءٍ إسمنتيٍّ، تُجنِّز هواءَكِ المريض.

***

وعاريةٌ ورودُكِ، وأشواكٌ ليّنةٌ تؤدّي هلعَ الرقصةِ الأخيرة. وغيومٌ واطئةٌ ذاتُ أنفاسٍ ضيّقةٍ، وماءٌ مُترِبٌ يشتهي لطافةَ الماء. وطفلٌ هو ربيبُ خيالِهِ اللاهثِ، يُعثَرُ عليه نائمًا في حضنِ ملاكٍ ملطّخٍ بالبياض. وأختٌ بنظرةٍ خرقاءَ، تبحثُ عنه في فيلمٍ افتراضيّ. وفيلمٌ افتراضيٌّ توقّفتْ شاشتُهُ عن البثِّ، يفتّش عن طفلٍ ضائعٍ في رهبةِ السماء. وألعابٌ لن يبقى مَن يلاعبُها بسببِ النسيانِ وأغلاطه المقبلة. وعجوزٌ تسألُ عن حوضٍ للياسمين، وعن رداءٍ متألّمٍ للرأسِ، كي تجدَ مَن يحاورُها في مرحلةِ التيه. وجرحٌ يطيرُ ليحطَّ على كرسيٍّ مخلوع. وكرسيٌّ مخلوعٌ لن يعثرَ على ظلٍّ في شارعٍ ليستريح. ورخامٌ مهمومٌ بنعاسِ ليلتِهِ المقبلة. وصدرٌ يشقّ قميصَ قمرِهِ ليُنصِتَ إليه. وكتبٌ كثيرةٌ تنسى ثيابَها، تركضُ باحثةً عن قارئٍ يسبح الآن في نعاسٍ طليق. ومطرٌ بطيءٌ يترهّلُ. ومطرٌ مماثلٌ يرتّبُ لدموعِهِ موضعًا للنومِ في العراء. وممرّضةٌ تلوّح بيديها لتلتقطَ نداءَ الصليبِ الأحمر. وأمٌّ كتلك الأمّ، لا تزال تتحدّث إلى نفسها، كمَن تُواصِلُ رتقَ حياتِها، أو كمَن تصلّي، ثمّ فجأةً تَعلقُ كلماتُها في حلقِها، فتتوقّفُ عن مواصلةِ التمتمةِ والحياة. وبائعٌ يذرف روحًا من تلقائِهِ، بسببِ الإبريقِ الذي يندلقُ منهُ المساء. ومرايا لالتقاطِ صمتِ الأيدي. وأيدٍ لتسجيلِ ظلالِ الأوجاع. وأوجاعٌ لتسجيلِ الحياةِ الرديفة. وحياةٌ رديفةٌ لتسجيلِ الهاجعين في القبور. وقبورٌ لتسجيلِ الحوارات. وحواراتٌ لتسجيلِ أصواتِ أصحابِها الضائعين.

***

كيف أصفُكِ

يا بيروتُ

قبل الساعةِ السادسةِ وسبعِ دقائق.

كيف أصفُكِ

بعد الساعةِ السادسةِ وسبعِ دقائق.

Like what you read?

Take action for freedom of expression and donate to PEN/Opp. Our work depends upon funding and donors. Every contribution, big or small, is valuable for us.

Donate on Patreon
More ways to get involved

Search