شعر: عبدالوهاب لاتينوس
في العشرين من اغسطس لعام 2020 غرق الشاعر السوداني عبدالوهاب لاتينوس في المانش مع مجموعة غير معروفة العدد من المهاجرين الافارقة. وكان الموت واشتهاء التلاشي ثيمات متكررة في اشعار عبدالوهاب حتى حسبت أنه انما كان ينعى الشعر والحياة حتى وهو غارق في الحب، بل بالأخص حين يغرق في الحب. بالأخير، في استدعاء لحظي لضياع لوركا، قامت هذه الاشعار مقام كاتبها وصارت بالحق الصوت الوحيد الذي يملكه الشاعر كونه اعتنى بموته جيداً في نصوصه، وصار هذا العابر الغريب الذي لا نعرف له قبرا خلاف مياه الغرباء. لم اجد جلاء انظر به الى مجاز البحر الغريب قبراً للشاعر انصع من مفهوم فردريك جيمسون حول حتمية صناعة "المجازات القومية"، بلا فكاك، مثل كابوس لا ينتهي.
لستُ واثقاً مِن شيء
للحظة أجدني لستُ واثقاً
مِن شيء,
تائهاً ، حائراً ، لا أعرف ماذا أريد
ولا المغزى مِن الحياة كذلك.
مرتعب مِن كل شيء
ولا مكترث في آن.
مترعٌ بهلوسةِ الفناءِ اللعينة
التي تتأجل يوماً بعد يوم.
كل ما هو نقيض الحرية ، الفوضى
والجنون,
يصيبني بذعرِ ما قبل الجنون
يجعلني أرتعد ، وأرتعش
كمذبوح على حافةِ النهاية.
ربما ينبغي لي أن أدحرج الشمس
نحو هوة سحيقة,
أن أفقأ عينيْ الضوء
ليتلاشى النهار مرة وإلى الأبد.
هذا الضوء الذي يُومض برهةً
ثم يختفي,
يجب أن يختفي إلا الأبد.
ربما مِن الأفضل أن ننسحب
إلى الخلف,
بعدما ضيعنا الطريق نحو الأمام
فلا جدوى مِن السير بلا طريق.
أن أُولد في زمن آخر
كان بودي أن أجيء في زمن آخر
غير هذا.
أن أُولد في زمن آخر
لم يُعرف فيه قطار مترو الأنفاق
لا محركات الفحم الحجري
ولم يكتشف فيه الله بعد.
كان بودي أن أجيء في زمن آخر
لم يَعرِف سر النبوة
أن أُولد في زمن آخر
حيث الطفل لا يعدو أن يكون
مجرد شيء - كلبٌ أو قطة
تُضاف إلى أشياء الأم.
كان بودي أن أجيء في زمن آخر
لم يَعرِف سر الجسد
وتقديس اللحم الطري.
أن أُولد في زمن آخر
داخل كهف مظلم
أو بين دغل أشجار كثيف
تمتص حشرات الغابة دمي.
بينما الآن كل ما أريده
هو أن أبتعد عن كل ما يمت بصلة
إلى الحياة ، إلى الألم
إلى الضوء والدم.
كل ما أريده
هو أن أتلاشى مرةً وإلى الأبد
في ثقبِ الليلِ الأسودِ
كل ما أريده
هو أن أصرخ ملء صوتي
أن ألعن,
وأبصق في وجه كل شيء
كل ما أريده
هو أن يطبق هذا الخراب
على أنفاسنا مرةً وإلى الأبد
لنودعَ الألم ، ونرتاح