The damned revolution
مخاض الولادة لايعرف موعد محدد، يحدث مثل غيمة مفاجئة ، تمطر دون برق أو رعد ، وكان في تلك اللحظة يقود سيارته نحو البيت ، بعد أن تلقى اتصالا من زوجته ، وسمع نشيج صوتها ، على الطرف الآخر ، شعر بدقات قلبه تتصاعد أكثر وأكثر.
هما ينتظران هذا المولود ، ولديهم احلام كثيرة، رغم مايشوب البلاد من فوضى بعد ثورة ، ورحيل الزعيم الديكتاتور الوحيد الذي يسيطر على البلاد، كانت صوره فقط تعلق على الجدران ، وفي الشوارع ، كان له في كل صورة يرتدي ملابس غريبة، وهو ينظر نحو السماء بكبرياء.
يقود سيارته باقصى سرعة ممكنة، الطريق يستغرق في الغالب عشرون دقيقة حتى يصل ، حاول ان يتلهى بمتابعة اللوحات الاعلانية ، وقد الصقت عليها صور مترشحين للانتخابات القادمة للبرلمان الجديد، ابتسم بشكل غامض ، وبدا سعيدا أنهم احتلوا مكان صورةالزعيم الوحيد سابقا للبلاد.
أخذ يمارس مهارة اضافية في اختصار الطرقات المؤدية إلى بيته ، فيما زوجته ، تعيد الاتصال كل خمس دقائق ، يخبرها انه في الطريق اليها ، وفكر أن الخروج نحو الطريق الساحلي أكثر سهولة وأقل ازدحاما، كان الوقت بعد منتصف النهار، الطقس يزداد سخونة في الخارج ، في مثل هذا الوقت من فصل الصيف ، وامتدت يده لتشغيل الراديو، متمنيا سماع أغنية جميلة ، ليذهب القلق ريثما يصل ، في تلك اللحظة سمع دويا عالياً لأصوات رصاص ، طلقات متفرقة، اعتاد سماعها أهل المدينة ، وتوقع أن هناك عراك بين شباب ، لقد اصبح استخدام السلاح لابسط الأشياء ، وعلى المرء تفادي المنطقة ، أو المرور بأقصى سرعة ، لكن الصوت الآن لاسلحة ثقيلة ، كما يدعونها اربطش ونص (14.5) بل اصبحت أكثر قوة وهو يسمعها قريباً منه ، نظر حوله كانت السيارات تكاد تقفز عن الطريق العام ، الكل يقود بسرعة ، اصبح الوضع جنونيا في لحظة واحدة.
كان الأمر اعتيادياً، كما أردوا له أن يصبح في ظل الفوضى ، بحجة وجود ثوار ، شكلوا الكتائب لحماية البلاد ، ثوار ، ثوار ... يردد الاسم مع لعنات ، كيف اصبحوا فجأة شباب أغلبهم في السجون بتهم جنائية ثوار ، اطالوا لحيتهم ، وحفوا شواربهم ، وارتدوا بدلات مرقطة ، هؤلاء الذين لايمكن ان تطالبهم باحترام الناس المدنية ، فهم يعتقدون أن الجميع ليسوا إلا وقود وحطب لجهنم ، أغلق زجاج نوافذ السيارة ، وضغط على زر التكييف لترسل له بعض النسمات الباردة ، تخفف قليلا من وطأة الحرارة التي بدأ يشعر انها تجتاح جسده كله ، وتخفف اصوات الرصاص الذي لايعلم من اين مصدره حتى اللحظة.
بعض الناس في مثل هذه الظروف ، في حال كانت الاشتباكات قريبة منهم ، يخرجون هواتفهم ، ويلتقطون صوراً لنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ، الجميع يرغب في ان يكون صحافياً ومصدراً للأخبار ، ويحقق شهرة من خلال نشره للصور واخبار القتال والعنف والخطف. وإذا لم يكن ناقل للخبر ،سيكون شخصا أخر يحمل سلاح ومنضم الى، كتيبة قتال يطلق الرصاص في الهواء.
الشباب الذين لم يحصلوا على عمل في تلك الكتائب يقصدون المقاهي، عاطلين عن العمل ، بعضهم يستغل وقته في التحرش بالنساء المارة في الشارع، ليستطيع افراغ شحنات الغضب عليهن ، المرأة في هذه البلاد مظلومة، حتى لو سمعت كلاما بذيئا تستعجل السير، ولاتستطيع الرد ، ولايوجد من يحميها ، حتى مراكز الشرطة اقفلت أبوابها.
الهاتف يرن باستمرار ، تظهر صورة زوجته على الشاشة ، يرد باختصار شديد أن الاشتباكات حدثت فجأة والرصاص وو وهو يتحدث بانفاس لاهثة ... وهي تلهث على الطرف الآخر.
يا ألهي زوجتي تحتاج إلى عملية جراحية ، كما أخبرهم الطبيب في أخر زيارة.
يحدث نفسه ، والخوف تزداد وتيرته كلما تأخر أكثر، ولكن الحظ لايقف إلى جانبه اليوم ، حين يرى مؤشر الوقود وهو ينخفض بالتدريج ، المحطة ليست بعيدة ، لكن الازمات المفتعلة لنقص الوقود في بلد نفطي ، لايمكن لعاقل أن يصدقها ، وتلك الطوابير الممتدة على طول الشوارع بشكل خرافي ، اصبحت تثير الرعب في قلوب الناس ، لهذا يحتفظ الجميع بعبوا ت بلاستيكية ، من الوقود توضع في حقيبة السيارة من الخلف.
وشعر بالارتياح أن لديه عبوتان تمكنه من السير لمسافة لابأس بها ، تلك اللحظة أعلن في الراديو ، أن ميليشيات تطلق الرصاص ، دون معرفة الأسباب ، وبعدها سمع أغنية حماسية تتغنى بالثورة.
لعن الثورة بصوت مرتفع ، ونظر حوله ، لاأحد يسمعه فهو يقود سيارته ، وإلا سيكون مصيره تهمة بالخيانة ، وانه من انصار النظام السابق ، بين لحظة وأخرى تسكت الاصوات ويعم الهدوء ، يضغط على بقدمه على البنزين ليزيد من سرعته ، ويصل في الوقت المناسب.
كاد أن يقترب من الحي السكني ، في أخر الشارع كان هناك قوة أمنية، تصنع حاجزاً ، وتوقف السيارات دون تمييز ،ينصاع الجميع لهم ، فهم يرتدون تلك البدلة المرقطة ويحملون السلاح ، وسيارتان ترفع مدفعا ضخما ، مما يرهب الجميع.
أخذ يهدئ من السرعة حتى اقترب منهم ، توقع ان يشير أحدهم له بأكمال سيره ، فهو ليس مشتبه به ، إلا أن سيارة سبقته بقليل تجاوزت الحاجز ولم يتوقف السائق، وانهمر الرصاص من كل اتجاه ، أخذ ينظر برعب ، ويحاول النظر نحو عمارتهم السكنية القريبة جداً، في تلك اللحظة التي تفصل بين الخير والشر ، بين الحياة والموت ، لحظة لايتوقعها الانسان ، كان الرصاص يسقط على مؤخرة سيارته ، رأى فيما يشبه الحلم ، ناراً تشتعل في لحظة أخيرة وهو ينظر إلى المرآة الامامية لسيارته.
مر شريط قصير لحياته ، صوراً لذكريات الطفولة ، زوجته ، عناقه لها وهما يحلمان بولادة أول طفل في بيتهما ، كانت جزء صغير من الثانية ، تقدر بدهر من الزمان ، لايدري هل امتدت يده لتفتح الباب ، أم أن هناك شخص فتحه ، وجد نفسه يجري باقصى سرعة وهو يصرخ بأعلى صوته ، متجهاً نحو بيته ، أريد أن أحيا ، أريد أن اعيش بعيداًعن ثورتكم الملعونة ، لم يسمعه أحد كان صوت تفجير السيارة والشظايا المتناثرة ، تخفي فضيحة لعناته ، وتجعل افراد المليشيا يلوذون بالفرار.