الأمل ابن اليأس
وهبت عمري للأمل
أحمد فؤاد قاعود
تَحركَ التساؤل حولَ اللغة التي يكتبُ بها الفلسطيني، من التأمل في النص الأدبي الفلسطيني المعاصر، وبواسطة النظر في النتاج الأدبي لمجموعة واسعة من الكّتاب الفلسطينين في أجناس أدبية مختلفة، والذين جمعتهم بمجلة 128 فرص الحوار والاستكتاب والمشاركة والنشر في أعداد المجلة المتتالية، ويمكن القول: أنها حصيلة بناء فرديّ يتواصل مع المجموع، لغة منبثقة من ذات أولاً، الذات التي اشتبكت وتفاعلت ووجدت نَفسها وحيدةً في دائرةِ من الأسئلة، والذات التي حاولت البحث عن معنى حول اللغة التي وجدت لنفسها حيزاً متوسطاً ومنحازناً وسط عالم يموج بالمتغيرات والأحداث والتجارب والتأرجح المستمر بين الثنائيات، الحب في مواجهة الكراهية، الإتساع والقبول في مواجهةِ النكران، الحياة في مواجهة الموت، السير والحركة في مواجهة المكوث، الذاكرة في مواجهة النسيان، الصمود في مواجهة الهجرة والتهجير، الاستمرار في مواجهة التوقف، اليأس مقابل الأمل.
ويأتي الأمل من هذا السياق مدعاة للتفكير، ومدعاة لتأمل حضوره كمفردة وما يتصل بها من دلالاتٍ في المخيال والذاكرة والتراث والتداول اليومي، "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل" لدى الطغرائي. " ينظر الطغرائي للأمل بوصفه موسعًا لشعب الحياة كي تصبح أكثر قدرة على التنفس، "أفعل وما يفعل العاطلون عن العمل، أربي الأمل" عند درويش، الأمل يمكن تربيته وتقويته والركض خلفه واستجداءه " نحن محكومون بالأمل" لدى سعد الله ونوس. تحمل هذه العبارة لونوس فهم ربمّا يرى الأمل كقدر حتمي، أنه بهذا الفهم صيغة لفهم الحياة من حيث كونها مجال يسير ضمن مسارات شديدة التباين.
يخلق هذا التأمل السريع في حضور الأمل وسياق استخدام المفردة في النص وما يرتبط بهذا التوظيف من معانٍ ودلالات، الرغبة في الحفر في سؤال الأمل الذي هو سؤال مفتوح نحو المستقبل كذلك. وهذا ما دفعنا إلى خلق هذا العدد المشترك مع PEN/Opp السويديّة، بعد مجموعة من الحوارات والنقاشات مع رئيسة التحرير خلود صغير، نتج عنها استكتاب مجموعة من الكتّاب في حقول مختلفة للحفر في مفردة " الأمل" وتجلياتها والطريقة التي من خلالها تعالج المواد المتنوّعة حضور "الأمل" في الذاكرة والمخيال، في اليومي والمعاش وما يرتبط بهذه المعالجات من رغبة في فهم الحياة التي يعشها الناس بالعموم والكتّاب والمبدعين خصوصاً في فلسطين، كتب المشاركون في هذا العدد في حقول مختلفة وتحركوا تجاه مفردة الأمل من بوابات ملّونة ومختلفة، إذ يضم نصوص شعرية للشُعراء: نضال الفعاوي، هلا شروف، أنيس غنيمة، محمد الزقزوق، حامد عاشور، هند جودة وأمير حمد. بالإضافة إلى مجموعة رسائل كتبها محمود الشاعر. وتأملنا في النتاج الشعري الشاب لجيل ما بعد حدث الانقسام الفلسطيني من خلال مقالة أسماء الغول: ركام الشباب أو نصوص الجيل الغزي الجديد، وعقدنا مقاربات مع مفاهيم الأمل في المشهدية الفلسطينية واللغة والتجارب المعاشة واليومي من خلال شهادة لـ إيهاب الغرباوي: لوحات شهيرة من معرض الهَمّ الفلسطيني وشهادة لـ المعتصم خلف: قبل أن تصدق كل ما يُقال عن الأمل، وشهادة لـ دنيا الأمل اسماعيل: الأمل جزء من الذخيرة الباقية.
ويضم هذا العدد أيضاً مقالاً حول ثيمة الأمل في أدب الأطفال الفلسطيني لـ فاتنة الجمل بعنوان: الجسر بين الشِعر وأدب الأطفال "الأمل بِكر اليأس"، ومقالاً حول أعمال الفنان الفلسطيني فتحن غبن لـ هاشم حلس: ثنائيات حتمية.
آملين أن تكون مساهمات موفقة وقادرة على استعادة جزء من الأمل المنشودة، في هذا العالم الذي تتراجع فيه بوادر وأفعال الأمل يومًا بعد يوم.
[1] مجلة 28 أدبية ثقافية، تَنشر باللغة العربية، وتُعالج مستويات ثقافية مختلفة، ويتم إدارتها وتحريرها من خلال مجموعة من الكُتّاب الفلسطينيين الشباب، من غزة وخارجها.يُشير الرقم 28 إلى عدد أحرف اللغة العربية، ومن خلال هذا العنوان تطمح المجلة إلى تشكيل قاعدة ثقافية، تُشارك في البناء المعرفي للكُتّاب والمبدعين الشباب، وترعى مشاريعهم الإبداعية. كما تُقدم منصّة 28 فرصةً للمبدعين؛ الفنانين والكُتّاب الشباب لعرض نتاجهم الإبداعي، والتعبير عن أنفسهم بحرية، دون أي سلطة رقابية، وذلك تعزيزًا لقيم الحرية والديمقراطية. والتفاعل مع مجتمعهم الفلسطيني والعربي، من خلال أعداد المجلة المطبوعة و/أو الإلكترونية، ومجموعة فعاليات تشمل أمسيات أدبية، وحلقات نقاشية، ومعارض فنية، وحفلات موسيقية وفنية، وعروض أفلام، يُنظمها فريق العمل في مقر ومساحة مجلة 28 (الجاليري)، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية. وبرزت الحاجة لذلك، خصوصًا بعد الحصار الإسرائيلي -السياسي والثقافي- المفروض على قطاع غزة، منذ العام 2007.